اشغل نفسك
تستيقظ كل يوم مبكرا – مشتاقا إلى النوم كأنك لم تر النوم قط ليلا - لا يكفي الوقت أن تصلي وتتناول الإفطار وترتدي ملابس الخروج وتسرع إلى العمل الذي تراكمت عليك مشاغله وأعماله وحينما تعود من العمل لا تدري هل تنام أم تأكل أم تذاكر لأولادك أم تذهب لزيارة المريض فلان أم ماذا أم ماذا أم ...........؟!
اليوم الواحد لو كان 48 ساعة بدلا من 24 فإنه أيضا – على الرغم من ذلك - لن يكفي قط الواجبات المطلوبة فيه .. فالواجبات أكثر من الأوقات ..
تتمنى يوما واحدا تستيقظ فيه متأخرا دون منبه .. تنام وقتما تشاء وتستيقظ وقتما تشاء وتعمل حين تحب ذلك وتستريح حينما تريد ذلك .
تتمنى يوما واحدا بلا واجبات بلا فروض بلا ضغوط بلا التزامات بلا ضوابط ..
تتمنى يوما تتفرغ فيه تماما ..
لكنك ما أن يمر بك يوم واحد مثل هذا اليوم الذي تحلم به حتى تشعر بكثير من الملل وتتمنى أن تصبح مشغولا .. بل تتمنى أن تصبح مشغولا جدا ..
فإنه أن تكون مشغولا خير لك من أن تشعر بالملل ..
عليك أن توجد شيئا ما تعمله لأن الشعور بأن لدينا الكثير لنعمله يجلب السعادة أكثر بكثير من الشعور بأنه لا يوجد لدينا ما نفعله .
قال أحد الفلاسفة ذات مرة : إن الناس يطلبون الخلود ، لكن ليس لديهم ما يقومون به في مساء يوم ممطر ، ولو أننا خططنا وقتنا للمدى البعيد ، لنقل لفترات طويلة ، عشرين سنة مثلا ، فإننا لن نفكر في تخصيص خمس أو عشر سنوات لمجرد إضاعة الوقت .
ومع ذلك فإننا في معدل الأيام العادية نخسر بعض الساعات فالوقت سلعة غريبة ، لأننا نبدو وكأن لدينا الكثير منها إلى أن تأتي اللحظة التي نفتقد فيها الوقت كله ، وغالبا ما نتذمر من الأعمال المتراكمة التي يجب أن ننجزها ، إلا أن وجود الكثير من الأعمال هو مشكلة إيجابية ، لكن وجود النذر اليسير من الأعمال مشكلة سلبية .
قامت شركة ( مترو بلاستيك تكنولوجي ) باختبار هذا المبدأ وذلك بتقليص أسبوع العمل لموظفيها إلى ثلاثين ساعة بدلا من أربعين .. في حين يطالب الموظفون بتحقيق نفس المستهدفات ..
فهل تعلم ماذا حدث بعد هذا التغيير ؟
لقد تحسنت جودة العمل وحققت الشركة أرباحا أكثر ، لقد رأت الإدارة أن إعطاء الموظفين مزيدا من العمل في وقت أقل قد زاد من كفاءة العمال وطاقتهم وحماستهم ، ومنحهم وقتا أكثر خارج مكان العمل .
بينت الدراسات حول طلبة الجامعات أن الطلبة الذين تزدحم برامجهم الدراسية كانوا أكثر رضا في الحياة بنسبة 15 % وعلى الرغم من برامجهم المكثفة لم يواجهوا إجهادا أكثر من غيرهم .
فاطرد الفراغ بالعمل .. فالفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن أذهانهم موزعة فإنهم قد رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ .
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيصبح كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال .
يوم تجد في حياتك فراغاً فتهيأ حينها للهم والغم والفزع؛ لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأدٌ خفي، وانتحار بكبسول مسكن .
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون .
الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية .
إذن قم الآن صل أو اقرأ، أو سبح أو طالع، أو اكتب، أو رتب مكتبتك، أو أصلح بيتك، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ .
اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم 50 % من السعادة مقابل هذا الإجراء فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق